"الكوريتــين" من لاعبتـين الى دُميــتين

وأخيرا ما دعى إليه رئيس وزراء الصيني (ون جيا باو) لخفض التوترات على اللوحة الأخيرة للبارجة الحربية الكورية على انها غرقت، هو نفس ما اتفقت عليه قمة كوريا الجنوبية والصين واليابان في شمال آسيا خلال الإجتماع على الصفحة الأولى لنفس البارجة الحربية الكورية الجنوبية في مارس/اذار على أنها غرقت..!

إذ لاتغيير في المحتوى ولا العنوان إلا في الكلمتين: (الغرق أو الإغراق)

وإن ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على الزناد من خلال كوريا الجنوبية، إلا أن الطابع الصيني التنيني أتجه نحو التهدئة بتغليبها على طابع التشنج الأمريكي، فقال (السيد/ون رئيس وزراء الصيني) من خلال مترجم "نحتاج الى تبديد اثر حادث تشيونان وتخفيف حدة التوتر تدريجيا وتفادي وقوع اشتباك بشكل خاص " .. مضيفا ان التنمية في شرق اسيا ستكون مستحيلة دون وجود سلام استقرار في شبه الجزيرة الكورية.

تلك الجزيرة التي شقتها موازين القوى الدولية الى شقتين، وحولتهما من لاعبتين رئيستين في التكنولوجيا والصناعات والتنمية الإقتصادية الى ملاعب لركلات جزائية أمريكية بمحور الشر تارة، ولركلات سلحفاتية تنينية صينية تارة أخرى.

"بيونغ يانغ" و "سيول" بينهما سفينة غارقة، لاتعدو عن كونها كرة مستديرة تُدار ولاتدور، لاتختلف كرويتها ولايختلف دورانها شكلا ومضمونا ودحرجة عن كرة بلاستيكية مدورة في الملاعب حيث تدار ولاتدور الا بالركلات شمالا وجنوبا على دوي صفّارات الحكم وإنذاراته، وعلى ضجيج هتافات الجمهور وتصفيقاته، ومسنودة بقرارات إقليمية إستراتيجية للقصور وبرلمانات الدول بأناشيدها الوطنية وأعلامها الملونة، لتنتهي معظم الأحيان على الكؤوس وفي بعض الأحيان على الفؤوس..!

وهكذا مضى الأسبوع الجديد بين واشنطن والعالم من جانب على الملف النووي بإسرائيل ودونها من جانب، وبين إسطنبول وسيول وواشنطن بالكوريتين من جانب آخر، حيث مؤتمر في اسطنبول إنتهى على سفن تُغرقها القرصنة الصومالية في البحر، وتهمة في سيول إنتهت على سفينة أغرقها القادة السياسيون في البحر، وإقرار في واشنطن إنتهى بتصويت 59 من أعضاء مجلس الشيوخ لإصلاح النظام المالي بعمق غير مسبوق منذ عام 1930 بعد أن اتهمت واشنطن "وول ستريت" أنها أغرقت الإقتصاد الإمريكي في البحر، فأكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة انه لن يكون على الأمريكيين بعد الآن دفع ثمن أخطاء الأخطبوط: "وول ستريت".

وقد يتبادر الى ذهن القارئ الكريم، ما الرابط بين واشنطن واسطنبول وسيول؟ وما العلاقة بين كل ما حصل في كل منها بالطرف الآخر ثم وما علاقة كل ذلك بهذا المقال الاسبوعي على واجهة أخبارالعرب.نت.؟

سؤال وجيه ومعقول أراه يبطن الجواب بنفسه في ثلاثة إحتمالات "الحسد والهيمنة وضيقة عين" بل وأرجّحها كلها، عساني ابسطها قدر المستطاع بطولة بال القارئ العزيز لنهاية هذه السطور، حيث قوة المال قد تنمو في شرق آسيا أكثر من ذي قبل بعد تحول بريق الدولار إلى تجاعيد، وريعان اليورو الى جفاف الشح، والنمور الأسيوية قد تستغل فرصة الصيد بفراسة النمر الصياد، فتتوالد وتتناسل بكوريا الشمالية من الصين دون أمريكا، وبكوريا الجنوبية من اليابان دون بريطانيا العجوز وحليفتها البكر بمنطقة اليورو.

ان ما جاء على لسان الرئيس الكوري الجنوبي "لي مونج باك"، خلال لقاء مع اعضاء مجلس الأمن القومي الكوري الجنوبي، بأن كوريا الجنوبية سترد "ردا ملائما" على كوريا الشمالية المتهمة باغراق السفينة الحربية، متعهدا بإجراءات مضادة، هذا التصريح الرئاسي من سيول لم يعد مجرد تصريح كوري بحت، لأن المباراة تحولت وكالعادة من الملعب الداخلي بين "سيول و بيونغ يانغ" إلى مسرح دولي كما هو المتوقع، حيث دخل على خطي الدفاع والهجوم كل من الصين وأمريكا وبريطانيا وأستراليا والسويد واليابان، وكما خرج الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن صمته في غضون ساعات من خبر غرق السفينة في تعليقه على التقارير انها "مقلقة للغاية" ..

ساعات وسفينة في الجزيرة الكورية أقامت الدنيا ولم تقعدها، في حين نحن وفي أقاليمنا طائرات مدنية أسقطت وسفن تجارية احرقت وحروب ناقلات اشتعلت، وكان ينتهي كل شي على مجموعة أوراق من التقارير الدولية المعتمدة والمؤرشفة اليوم بمسميات أخطاء آلية أو بشرية سيسكنها الغبار إن لم يسكنها الغبار بالفعل.

والصين دعت الى التروى وضبط النفس، تعقيبا على تهديد رئيس كوريا الجنوبية "ميونغ باك" الذي رفع صوته في وجه عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ: "إعترفي يا القزمة..! إنك الآن في وجه الرياح ..؟" .. فدعته بكين على الفور الى التهدئة والتروى بصوت تنيني وبإبتسامة صفراء ، كما ودخلت على خطى الدفاع والهجوم وكعادتها أمريكا عموديا وبريطانيا افقيا فوق ساحة الملعب، حيث أدانت واشنطن اغراق السفينة واعتبرته على لسان وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس عملا عدوانيا مشددا ان وزارة الدفاع (البنتاجون) تجري مشاورات مع سيول للتوصل الى (...) ثم وما ان تدحرجت كرة الكوريتين وكادت تنحسر بينهما، إذا بصفارات بريطانيا العجوز متمثلة بوزير دفاعها "وليام هيج" ان أعمال كوريا الشمالية ستتعمق الى العمق العميق".

فيما الأميركان عادو وأكدوا ان طوربيدا اطلقته غواصة كورية شمالية اغرق في 26 اذار/مارس الماضي البارجة الكورية الجنوبية "تشيونان" وقتل فيها 46 بحارا، انهم وجدوا جزءا من ذلك الطوربيد في قاع البحر عليه كتابة مطابقة للطوربيدات الكورية الشمالية الصنع، ثم وأخيرا وكعادتها اليابان الهادئة والأخيرة دائما في مثل هذه الحالات تكلمت بتعليق مختصر ومفيد من طوكيو: "انه عمل لا يغتفر"، دون ان يحدد الجهة التي لن يُغفر لها، في حين رفضت بيونج يانج هذا الاتهام ووصفته " بـ"الملفق" وأضافت انها على أهبة الاستعداد للمواجهة وبل وتهدد بحرب شاملة اذا ما فرضت عليها عقوبات، مؤكدة ان تقاريرالمحققين الدوليين والتصريحات الرسمية للدول العظمى لا أساس لها من الصحة .. وكانت قطعة بحرية كورية جنوبية قبل أسبوعين اطلقت عدة طلقات تحذيرية على زورق كوري شمالي انتهك الحدود البحرية المحرمة للبلدين، في اخطر صدام من نوعه منذ اغراق سفينة حربية جنوبية في تلك المنطقة.

وقبل أن يتحول مشروع القانون إلى قانون، وينظر المرء بالشك الى الشعب كله من خلال خبر سفينة، دعنا نفكر لأن سلاح التفكير هو السلاح الوحيد الذي نملكه، في حين مُنعت (بضم الميم) أنا شخصيا من التفكير بطلب تغيير صورتي التي كانت تنشر في إحدى الصحف المحلية مع المقالات والصورة الموحية بالتفكير العميق بانها مرفوضة..! فسألت مدير التحرير لماذا تريدوني ان أغير صورتي التي توحي بالتفكير العميق، فرد قائلا (لأن التفكير ممنوع عندنا..!)

وبما أن الممنوع مرغوب، دعونا نفكر بصوت مسموع، لعل هناك في واشنطن او في بكين من يرى انه لايجوز الإبقاء على كوريتين في إقليم واحد، إنه تفكير يقود المفكر العربي إلى تفكير إقليمي آخر وذو إرتباط مباشر بشطري اليمن، أفكر فيما دعى اليه يوما حكيم العرب فقيدنا الراحل المرحوم الشيخ زايد بن سلطان الى توحيد شطري اليمن، وما نراه اليوم من محاولات شق الشطرين، وما هذا اليوم الا هو يوم إعتداء على تاريخ اليمن، فمن يأت بتلك المحاولات، ومن أين تأت تلك التفجيرات التي تدعو الى شقّ اليمن فتهزّ البدن في عدن ...؟